الجمعة، 5 يناير 2007


(3-1 ) الثأر في الجاهلية وبعد الإسلام .


تعريف الثأر : هو ان يقوم أحد  أقارب القتيل بقتل القاتل نفسه أوقتل أحد أقاربه .

ثأر للقتيل : أخذ بدمه وانتقم له ممن قتله .

الثائر : الذي لا يبقي على شيء حتى يدرك ثأره .

يقول أحد الشعراء :

طَعَنْتُ ابنَ عَبْدُ القَيْسِ طَعْنَةَ ثائِرٍ

                                 لهَا نَفَذٌ ، لَوْلا الشُّــعــــاعُ أَضـــــاءَها

مَلَكْـــتُ بِهَــا كَــفِّي فَــأَنْهَرْتُ فَتْقَهَــا

                                  يَــرَى قَــائِمٌ مِــنْ دُونِهَــا مَــا وَرَاءَهَـا



تاريخ الثأر في الجاهلية

 كان العــربي اذا تعرض لاعتداء ما , أو قتـل فإن قبيلته تهب لأخذ الثأر أي قتل القاتل أو أحد افراد قبيلته , أولاً   لإنصاف أهل القتيل , وهو  وهم من أفرادها , وثانياً لإفهام الأخرين أن قتل أحد أفرادها ليس بالأمر الهين وأن المعتدي سيعاقب .فالثأر ليس عادة خاوية جوفاء رعناء وتعطشاً للدماء , بل هو القانون الذي يحفظ حياة الأنسان في تلك المعمعة الكبيرة من الصراعات , وكلما ألحت القبيلة في طلب الثأر , ونجحت فيه , برهنت على قوتها وهابتها القبائل الأخرى , وكفت عن أذيتها , وحسبت الحسابات قبل التعرض لأحد أفرادها لذلك رفض الدية الأقوياء وأنفوا من أخذها , فإذا كانت القبيلة تقبل الدية كلما قتل أحد أفرادها , هان أمرها واستصغرتها  القبائل , وقتلت أفرادها وقدمت الأبل  والمال عوضاً  عنهم , وبهذا المعنى يكون قبول الدية استسلاماً للأعداء , وتعبيراً عن ضعف القبيلة وعدم قدرتها على أخذ الثأر , وبالتالي هوان أمرها في نظر القبائل الأخرى , وها هي المرأة , تحذر قومها من أخذ الدية نوقاً وتحثهم على إرواء  سيوفهم من دماء الأعادي , وإن لم يثأروا فلا درت نياقهم لبناً فقالت :

ألا لا تأخــــــــــــذوا لبنـــاً ولكــــن   
         

                       أذيقوا قومهم حــــــد الســـــــــــــلاح


فإن لم تثــــــــأروا عمــــــــراً بزيــــــدٍ


                    فلا درت لبــــــــــون بنـــــــــي ربـــاحِ


وعندما قبل حذيفة بن بدر , لظروف خاصة , دية ابنه قرفة , هبت  أم قرفة تدعو عليه بألا يسلم من الأعادي , وألا يوقى شر النائبات لأنه قبل الدية  فقالت :

حُذيفةُ لا سلمتَ مِنَ الأعادي

                                 وَلا وقِيتَ شرّ النائباتِ

أَيقتلُ قرفةً قيسٌ فَتَرضى

                                   بِأنعامٍ وَنوقٍ سارحاتِ

أَما تَخشى إِذا قالَ الأعادي


                                حُذيفة قلبهُ قَلبُ البناتِ

فَخُذ ثَأراً بِأطرافِ العوالي


                                وَبالبيضِ الحِدادِ المرهفاتِ

وَإِلّا خلّني أَبكي نَهاري

                                  وَلَيلي بِالدموعِ الجارياتِ

لَعلّ مَنيّتي تَأتي سَريعاً


                                 وَتَرميني سهام الحادثاتِ


فَذاكَ أحبّ من بعلٍ جبانٍ


                              تَكونُ حَياته أردى الحياةِ


 ولذلك عٌد قبول الدية عاراً ما بعده عار , وهو سمة الضعف والعجز والهوان , فقد قال مرة بن عداء الفقعسي :


فلا تأخذوا عقلاً من القوم إنني 

                                 أرى العَــــارَ يبقى والمعاقِـــلَ تذهبُ


ومن المعروف في العصر الجاهلي أنه اذا كان القاتل من أرذال الناس في حين أن المقتول من أشرافهم , لا ترضى قبيلة القتيل بقتل القاتل بل تقتل من هو ند له من قبيلة القاتل وقد لا يكتفي أهل القتيل بقتل فرد واحد من قبيلة القاتل , ولا سيما اذا كان قتيلهم شريفاً نبيلاً فالمنذر مثلاً أو عمرو بن هند , في رواية اخرى ,قتل من بني دارم مئة رجل انتقاماً منهم لقتلهم أخاه سعداً أو أبنه مالكاً في رواية أخرى , وكليب ملك ولم يرضى مهلهل بقتل شخص واحد من قبيلة بكر ولاشك في أنه من العجيب والمشين أن يقبل بذلك , حيث قال لليمامة ابنة أخيه كليب عندما كانت تشتكي له بعد فقدان أبيها وبأنها أصبحت يتيمة : 

وقلت لها لك البشــــرى يمامة 


                            أنا عـــمـــــك حمــــــاة الخـــائفينا


كمثل السبع في صدمات قـــوم 


                               أقــــلبهم شمـــــالاً مع يــــمينـــا



فدوسي يا يمامـــــة فوق رأســـي 



                         على شــــــاشــــــي إذا كنـــا نــســيـنا 


فإن دارت رحـــانـــا مع رحــــاهــــم 


                               طـــحنـــاهم وكنـــا الطـــاحــنــيـنـا


وقد قال عندما أسرف في الدماء وفي قتلهم :


 1- أَكْثَرتُ قَتْلَ بَنِي بَكْرٍ بِرَبِّهِمِ

                          حَتَّى بَكَيْتُ وَمَا يَبْكِي لَهُمْ أَحَدُ

2-  آلَيْتُ بِاللَّهِ لاَ أَرْضَى بِقَتْلِهِم


                         حَتَّى أُبَهْرِجَ بَكْراً أَيْنَمَا وُجِدُوا



____________________________________

المعاقل : جمع المعقلة , والمعقلة  الديـة من الإبل كانت تعقل امام أهل المقتول  .
شاشي : الشاش وهو قطعه من القماش مصنوعة من نسيج رقيق والمقصود بها العمامة  .
(1) الرب : المالك والسيد , يقصد به هنا كليباً 
(2) آليت : أقسمت ,  بهرج الشيء : أباحه  , ودم مبهرج : لادية له .






الثأر بعد الإسلام وقبل الحكم السعودي


الإسلام شرع القصاص من القاتل والحكمة  من مشروعية القصاص في الإسلام لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، ليقوموا بعبادته وحده لا شريك له، ووعد الله من آمن بالجنة، وتوعد من كفر بالنار وشَرع العزيز الرحيم عقوبات القصاص والحدود لتمنع الناس من اقتراف هذه الجرائم، لأن مجرد الأمر والنهي لا يكفي بعض الناس عن الوقوف عند حدود الله , وفي إقامة الحدود والقصاص الأمن العام، وصون الدماء، وحماية الأنفس وفي تنفيذ القصاص كف للقتل، وصيانة للمجتمع, وحفظ للحياة، وشفاء لما في صدور أولياء المقتول، وتحقيق للأمن والعدل، وردع للقلوب القاسية الخالية من الرحمة والشفقة، وحفظ للأمة من قتل الأبرياء، وبث الرعب في البلاد، وتسبب في حزن الأهل، وترمّل النساء، ويتم الأطفال . 
قال الله تعالى  :
(( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُون  ))   
 المائدة (45) ]
وقوله تعالى :  
 (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  ))  
[ البقرة (179) ]


فمن قتل غيره بغير حق فلورثته القصاص من القاتل بشروطه المعتبرة شرعاً عن طريق ولاة الأمور , ولعدم وجود ولاة الأمور قبل الحكم السعودي كان أهل القتيل وافراد قبيلته هم من يأخذون الثأر وذلك بقتل القاتل أو بقبول الدية في حال تم الصلح والتنازل .