الخميس، 2 فبراير 2006

( 2 - 5 ) حقوق الجار عند العرب في العصر الجاهلي وفي الإسلام .



للجار حقوق وهي من شيم العرب وكان العرب في الجاهلية وقبل الإسلام يفخرون بحماية الجار وغض البصر عن محارم الجار ومن ذلك قول الشـــاعــر والفــارس عنترة العبسي : 

وأَغُضُّ  طرفي إن بدَتْ لي جارَتي


                                    حتى يُــواري جــارتــي مـأْواها


وكذلك قوله ايضاً في الفخر بحماية الجار واكرام الضيف 


وَإِنّي لَأَحمي الجارَ مِن كُلِّ ذِلَّةٍ


                                  وَأَفرَحُ بِالضَيفِ المُقيمِ وَأَبهَجُ




ولا يخفى على البعض أيضاً حرب البسوس في الجاهلية التي دامت حوالي 40 سنة بين بكر وتغلب  وسبب الحرب بأن جارة الأمير جساس بن مره وخالته في نفس الوقت كان لها جار وأسمه  سعد  وكان لجارها ناقة تسمى سراب حيث انها مضت  ترعى في حمى كليب بن ربيعة التغلبي الذي انكرها بعد ما رآها ثم رماها بسهم فأقبلت الناقة الى صاحبها والدم يسيل منها وبعد ذلك علمت البسوس بما حصل لناقة جارها وطالبت بأخذ حق جارها لأنها لا تستطيع بأن تأخذ حقه وقالت ابيات قد عرفت عند العرب بأنها ابيات الفناء  أي انها ابيات الهلاك وشرارة نار الحرب بين القبيلتين  , حيث قالت :


لَعَمْرُكَ لَوْ أَصْبَحْتُ في دَارِ مُنْقِذ
 
                             لَمَا ضِيْمَ سَعْــدٌ وَهْوَ جَارٌ لأَبْيَاتِي

ولكِنَّنِي أَصْبَحْتُ في دارِ غُرْبَةٍ

                           مَتَى يَعْدُ فِيها الـذِّئبُ يَعْدُ على شَاتي

فَيَا سعدُ لا تَغْرُر بِنَفْسِكَ واِرتَحل

                              فإنَّكَ في قَــوْمٍ عنِ الجــارِ أَمْــوَاتِ

ولما سمع الأمير جساس بن مره هذه الابيات غضب غضباً شديداً وقال : لأقتلن بناقة جارك كليباً حيث انه ركب فرسه ثم ذهب إليه وقتله وذلك ً ثأراً لجاره وجار خالته في نفس الوقت وبعد مقتل كليب قال جساس هذه الابيات :

فَاِصبِر لِبَكرٍ فَإِنَّ الحَربَ قَد لَقِحَت

                                        وَعَزِّ نَفسَكَ عَمَّن لا يُواليها

فَقَد قَتَلنا كُلَيباً لَم نُبالِ بِهِ

                                   بِنابِ جارٍ وَدونَ القَتلِ يَكفيها

نَحمي الذِمارَ وَنَحمي كُلَّ أَرمَلَةٍ

                                    حَقّاً وَنَدفَعُ عَنها مَن يُعاديها


وقال ابيات اخرى منها :

إِنَّما جاري لَعَمري
فَاِعلَموا أَدنى عِيالي
وَأَرى لِلجارِ حَقّاً
كَيَميني مِن شِمالي
وَأَرى ناقَةَ جاري
فَاِعلَموا مِثلَ جِمالي
إِنَّما ناقَةُ جاري
في جِواري وَظِلالي
إِنَّ لِلجارِ عَلَينا
دَفعَ ضَيمٍ بِالعَوالي
فَأَقِلّي اللَومَ مَهلاً
دونَ عِرضِ الجارِ مالي
سَأَودي حَقَّ جاري
وَيَــدي رَهـــنُ فِعـــــــالي
أَو أَرى الموتَ فَيَبقى
لُؤمُهُ عِنـــــدَ رِجــــــــالي

وبعد ذلك سمته العرب حامي الذمار ومانع الجار  



ومن الاشعار التي قيلت في حقوق الجار قصيدة للأعشى  حيث قال :

إنّ الأعَزّ أبَانَا كَانَ قَالَ لَنَا:

                       أوصيكمُ بثلاثٍ، إنّني تلفُ

الضّيْفُ أُوصِيكُمُ بالضّيْفِ، إنّ لَهُ

                      حَقّاً عليّ، فَأُعْطِيهِ وَأعْتَرِفُ

وَالجَارُ أُوصِيكُمُ بِالجَارِ، إنّ لَهُ

                        يوماً منَ الدّهرِ يثنيهِ، فينصرفُ

وَقاتِلوا القَوْمَ، إنّ القَتْلَ مَكْرُمَة ٌ

                    إذا تلوّى بكفّ المعصمِ العُرُفُ

يقول الشاعر بأن أعز الناس لدينا وهو أبونا كان قد أوصانا بثلاث وصايا نعتز بها ونحرص عليها  وهي القيام بحق الضيف وحق الجار وقتال الأعداء , واذا كان القتال مذموما" في أحوال فهو محمود في أحوال ومنها اذا حدث من الأعداء مالا صبر عليه كانت هذه بعض من الحفاظ على حقوق الجار في الجاهلية ولما جاء الإسلام  عظم حق الجار على جاره  لقوله تعالى :


واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا )

والرسول أوصى بالجار لقوله صلى الله عليه وسلم :     


(مَا زَال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ )

والجيران ثلاثة :  جار له حق واحد وهو جارك غير المسلم  ( له حق الجوار ) ,  وجار له حقان وهو جارك المسلم  ( له حق الجوار وحق الإسلام ) , وجار له ثلاثة حقوق وهو جارك  المسلم  ذو رحم ( له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم )

و العرب يفخرون بالقيام بحقوق جارهم  ويذكرون ذلك في قصائدهم ومن تلك القصائد ابيات للشاعر والفارس راكان بن حثلين العجمي اليامي : 

قصيرنا الناموس يمشي بسوقه

                           على الكرامه لين تقفي رعاياه

نشيل حمله من علاوي وسوقه


                           ومن بيننا يقلط على موخر الشاه


وكذلك قول الشاعر مفرح بن قيعان القحطاني في حقوق الجار

ما يقطع عماس راسي كون مشخوله  

                              تقبل بها العيس من بلدان خولاني

نشري لها العيزرية كل مشغوله 
     
                         ونسوق فنجالها للضيف والعاني

والجار ندعيه للكيفات  وندوله    
   
                           شف كل طير على مرباه شفقاني

نصبر على زلته وندمدم خموله  

                           وياتي بديله من العربان جيراني

ما نتبع اللي يصك الساق خلخوله

                                للي يسوم الردا ما حن بخلاني

بيبان عيبه عن الشمات مقفوله

                             نصكها بالغلق ما حن بطفقاني

لا بد ما ينقطع من دارنا زوله

                             وندرى على غيبته من سرق الأعياني


يقول الشاعر الشيخ فراج بن ريفه :

والجار يطرينا ونطلق لسانه

                     ونوفي مواجيبه ونكسر له الجال

وان جا على الما  ما حد جا مكانه   

                      لو كان مضمين ولو كان منهال

ولا نسايس حرمته بالخيانه

                        ويشد منا ما بعد حس له بال

ويدعى على بر كثير دهانه

                      وشحوم ضان فترت كل هلال


ويقول الشاعر فلاح بن محمد القرقاح :



ولا يذلل ضيف مجلسك لو يرفع عصاه 

                      ولا تردى في نسيبك ولا ترخص ذويه

وحتى سابع جار لو جار لا تسهج حماه

                       عقب اللي ما ينومس قصيره ويحميه


والرجل العربي النبيل عندما يكون جاره من المؤذين له فسوف يرحل عنه دون أن يسبب له الأذى وقد ترخص داره عنده وذلك لقول الشاعر العربي : 

يلومونني أن بعت بالرخص منزلاً
           ولم يعرفوا جاراً هناك يُنغص                        
فقلت لهم كفوا الملام فإنها
                                  بجيرانها تغلو الديار وترخص

  اما الشاعر النجدي العنزي

فمن شعره هذه القصيدة التي سميت بشيخة القصيد و قالها يحث على حســن الجـــوار و مكـــارم الأخــــلاق و يعتز بفعل جماعته ولهذه القصيدة سبب و هو أن النجدي كان قد نزل عليه رجل من أحد القبائل مطالب بدم من قبل جماعته وأدخله في جيرته وبقى عنده مدة من الزمن و كان لهذا الجار أبن صغير و عندما كبر ولد جاره لحق العنزي منه أذى فصبر كما صبر المهادي و عندما لم يبقى للصبر مجال طلب من جماعته أن يذهبون لجماعة هذا الجار فيطلبون العفو عنه وقبوله لكي يرجع لهم و في حال طلبهم دفع ديه فأن قبيلتة مستعدين لذلك و هو لم يخبرهم بما عمل ابن الجار من إساءة له ولكنه ادعى أن الموضوع حرص على انهاء مشكلة جاره مع اخصامه و ركبوا  جماعته رواحلهم و معهم النجدي و توجهوا إلى جماعة الرجل لطلب أخصامه بالتنازل و وافقوا على قبوله بعد دفع الدية فدفعوا الدية قبيلة العنزي و عاد الرجل الى قومه ويقال أن الولد المؤذي عمل  جناية عند جماعته فقتلوه ولما تسرب الخبر قال الشاعر العنزي :

يالله يالمطلوب يا والي الأقدار
                أنت الذي مدّات جودك لطيفه   
يالله يالمعبود عاون هل الكار
                    تحل شداتٍ عليهم كليفه
اللي مجالسهم بها بن وبهار
              ونجرٍ يصوّت للهجافا رجيفه
مكارمٍ للضيف عجلات وكبار
               ومفطحاتٍ في صحونٍ نظيفه
وتقليطهم للضيف قعدان وبكار
           وحيل الغنم وقت السنين الحفيفه
إكرام ضيف البيت حق وتعبار
                والكل منا يفتخر فيه ضيفه
يا مزنةٍ غرا من الوسم مبكار
                  اللي جذبنا من بعيدٍ رفيفه
تومر على كل المفالي والأقطار
           وتصبح به ريضان ربعي مريفه
صبح المطر فاحت بها ريح الأزهار
                 وتخالف النوّار مثل القطيفه
ترعى بها قطعاننا سر وجهار
            تقطف زهر مرباعها مع مصيفه
يبني عليها الشحم بنية جدار
           عقب الضعف راحت رجومٍ منيفه
قطعانّا ما ترتع بدمنة الدار
              ترعى زماليق الفياض النظيفه
ترعى بها وضحا من الذود معطار
                غبوقة الخطّار عجلٍ عطيفه
ترعى بضف الله ثم جبر وجبار
                   خيالةٍ يوم الملاقا عنيفه
أذوادنا يرعن بنا سر واجهار
            من دونهن نروي الغلب والرديفه
إن سوهجوا عنها قليلين الأبصار
           من دونها نروي السيوف الرهيفه
ماهي حكاية مسردٍ عقب ما نار
             اللي نكس وأطراف رمحه نظيفه
حنا فريق ولا نغبي سنا النار
                  ما ننزل إلا بالديار المخيفه
ودار بها الحقران ماهي لنا دار
                حتى ايش لو خصاب مريفه
وحنا لك الله من بعيدين الاذكار
             والنفس ما نلحق هواها حسيفه
حلوين للصاحب وللخصم قهار
                    وعدونا لوهو بعيد نخيفه
وتلقى منازلنا رفيعات واخيار
            والرجل عن دوس القصاير حفيفه
حنا كما مشخصٍ عن الصرف ما بار
                 بالوزن يرجح والدراهم خفيفه
هذا ولك الله من قديمٍ لنا كار
                  عن جارنا ما قط نخفي الطريفه
نرفا خمال الجار لوهو بنا بار
                نضحك حجاجه بالعلوم اللطيفه
نرفى خماله رفية العش بالغار
                ونودع له النفس القوية ضعيفه
ولا نبدي الخافي ليا صار ما صار
                 ويفلج قصير البيت لو بان حيفه
والجار له قيمه وحشمه وتعبار
                    وجاراتنا عن كل عايز عفيفه
ما زارهن من يبغي الحيف زوار
                     إلا ولا عنهن ندس الغريفه
ونكرم سبال الضيف حق وتعبّار
                    لامن ولد اللاش شح برغيفه
الجار لابده مقفي عن الجار
                     وكلٍ بجيرانه يعد الوصيفه
نبغي ليا من بدّل الدار بديار
                   وعقب البطا كلٍ تذكر وليفه
لابدها ترجع تواريخ وأذكار
            وتبقى لدسمين الشوارب وظيفه
أحدٍ على جاره بختري ونوّار
               وأحدٍ على جاره صفاةٍ محيفه
الصبر مفتاح الفرج هو والأفكار
          ومن لا صبر تصبح أحواله كسيفه
خطو الولد مثل البليهي ليا ثار
               يا زين حمله ليا تمدرا زفيفه
يشدي هديب الشام حمّال الأخطار
             زودٍ على حمله نقل حمل أليفه
وخطو الولد مثل النداوي ليا طار
              حسّه على صيد الخلا له وحيفه
ترجي العشا في مخلبه وقع واطيار
              صيده سمان ولا يصيد الضعيفه
وخطو الولد ينبش على موتة النار
             مع العرب يشبه لخطوى الهديفه
ليا بخصته ما سوى ربع دينار
                صفرٍ على عوده تضبّه كتيفه
وخطو الولد يا مال قصّاف الأعمار
                   لا نافعٍ نفسه ولا منه خيفه
وصلاة ربي عد ما خضّر الأشجار
                    على نبيٍ له شريعة شريفه